لم تعد مدينة مأرب اليمنية كما كانت. هذه المدينة التي استقبلت عدداً كبيراً من النازحين شجعت رجال الأعمال والمستثمرين النازحين، وأهالي المدينة على فتح مشاريع جديدة، ما ضخّ روحاً مختلفة وقابلة لمزيد من التطور فيها.
تكتظّ مدينة مأرب بالنازحين، وقد بدأ كثيرون حياة جديدة منذ نحو أربع سنوات. المدينة التي استقبلت مئات آلاف اليمنيين الهاربين من الحرب من محافظات مختلفة، باتت تتوسع بشكل كبير. وبعدما كان عدد سكانها لا يتجاوز 348 ألف نسمة يقطنون في 477 قرية ضمن 14 مديرية، قارب عدد السكان اليوم المليونين، وذلك خلال أربع سنوات فقط.
هذا التزايد المتسارع في عدد السكان، تسبّب في أزمة سكن في المدينة، ليجد الكثير من النازحين أنفسهم أمام مشكلة ارتفاع بدل إيجارات المنازل. في هذا السياق، يقول فؤاد رزق، وهو نازح من صنعاء: "على الرغم من أنّ مأرب باتت الملاذ الآمن أمام الهاربين من أنصار الله الحوثيين، أو المواجهات المسلحة بين القوات الحكومية والحوثيين، إلا أن المشكلة التي تواجهنا هي ارتفاع بدلات إيجار البيوت. أصحاب المساكن والأراضي استغلوا توافد النازحين ورفعوا الأسعار بشكل غير مسبوق".
ويشير رزق إلى أن إحدى المشاكل التي تواجه النازحين اليوم تتمثّل في عدم توفّر فرص عمل ومصادر دخل كافية للنازحين من الموظفين، الذين فقدوا أعمالهم في المحافظات الخاضعة لسيطرة الحوثيّين. واليوم، غالبيّهم يعيشون من خلال المعونات التي تقدّمها المنظمات الإغاثية. وما يتمكّنون من توفيره يُسلّم لأصحاب المنازل.
مشاريع
يضطرّ عدد كبير من النازحين للعيش في خيام مخصّصة للنازحين أو بعض المؤسّسات الحكومية، على رأسها كلية المجتمع في المحافظة. محمد (اسم مستعار)، يقول لـ "العربي الجديد" إنه ينتمي إلى عائلة معروفة في ذمار، ولا يريد أن يعرف أحد أنه نزح للعيش في إحدى المؤسسات الحكومية في مأرب. يقول: "أعيش هنا نازحاً لكنّني أشعر بالراحة النفسية. أنا في أمان وإن كانت الأوضاع المعيشية صعبة"، مشيراً إلى أنه كان ملاحقاً في مدينته ذمار من قبل الحوثيين، ما جعله يغادر إلى مأرب.
وعن وضعه المعيشي، يؤكد أنه يعمل من حين إلى آخر في أعمال مختلفة مثل البناء أو البيع. لكن في الوقت نفسه، يحصل على مساعدات من بعض المنظمات الدولية والمحلية. أما النازحون الميسورون، فبدأوا مشاريعهم الخاصة، واشترى البعض منازل في مأرب، من بينهم النازح أمين محمد، الذي افتتح متجراً لبيع المواد الغذائية. يقول محمد لـ "العربي الجديد" إن زيادة عدد السكان التي تشهدها المحافظة من جراء تدفق النازحين أنعشت الحركة التجارية وخلقت فرصاً لأصحاب المال القادرين على الاستثمار، وهذه أحد الأمور الإيجابية في المحافظة. يؤكد أن العمل التجاري يتنامى كنتيجة طبيعية للأمن والاستقرار الذي تشهده المحافظة، وتوفير البيئة الاستثمارية من قبل السلطات المحلية، وتشجيع أصحاب المشاريع التجارية، وتسهيل الإجراءات لهم.
يضيف محمد أنّ "التاجر غالباً ما يبحث عن الأمن والاستقرار لضمان نجاح مشروعه. لهذا، فضل عدد من أصحاب رؤوس الأموال مغادرة مناطق الحوثيين الذين كانوا يفرضون على التجار إتاوات بشكل مستمر، ليبدأوا مشاريعهم هنا". وتجلى ذلك من خلال المشاريع الصغيرة التي انتشرت في مأرب خلال السنوات الأربع الماضية، مثل المطاعم والشركات والفنادق والمصانع وغيرها.
ويبيّن محمد أنّه مع عدد من أقربائه باعوا بعض ما يملكونه في صنعاء لبدء حياة جديدة وإنشاء مشاريع صغيرة، لافتاً إلى أن عدداً كبيراً من سكان مأرب يتقاضون رواتبهم، وهناك إقبال على الشراء، وهذا لم يعد يتوفر بشكل كبير في بعض المحافظات ألأخرى.
تغيير إيجابي
يعدّ سكان مأرب الأصليون هذا التغير الكبير إيجابياً. النازحون إلى المدينة ساعدوا في إنعاش محافظتهم التي لطالما أهملتها الأنظمة المتعاقبة في اليمن. في السياق، يقول محمد مراد إنّ الازدهار الكبير الذي تشهده مدينة مأرب يعد إحدى إيجابيات توافد النازحين، خصوصاً الميسورين وأصحاب رؤوس الأموال، الذين ساهموا في افتتاح العديد من المشاريع الاستثمارية والأسواق التجارية. ويشير إلى أن الكثافة السكانية بسبب النازحين بشكل عام شجعت سكان مأرب الأصليين على إنشاء مشاريعهم الخاصة، سواء التجارية أو العقارية. يضيف: "كان النظام السابق قد أظهر أبناء مأرب على أنهم مجرّد مجتمعات قبلية متخلفة وقطّاع طرق. لكنّ أبناء مأرب أثبتوا خلال السنوات الأربع الماضية أنهم أهل كرم وقادرون على التعايش مع الجميع، وفتحوا محافظتهم لجميع اليمنيين، على عكس مناطق كثيرة تمنع دخول النازحين إليها". ويلفت إلى أن السلطة المحلية تبذل جهوداً كبيرة لتوفير الخدمات للنازحين وتنفيذ مشاريع البنى التحتية.
وبحسب تصريح سابق لوكيل محافظة مأرب عبد ربه مفتاح، استقبلت المدينة أكثر من مليون و300 ألف نازح من مختلف المحافظات اليمنية خلال السنوات الثلاث الأخيرة. وتواجه السلطات المحلية صعوبات تتعلق بالخدمات المطلوب تقديمها للسكان المحليين والنازحين إليها. فالبنى التحتية التي أنشئت قبل الحرب كانت مخصصة لعدد محدود من السكان.
خدمات صحية
على المستوى الصحي، يؤكد مدير عام الصحة في محافظة مأرب عبد العزيز الشدادي، أن المكتب يسعى إلى تقديم الخدمات الصحية لمختلف فئات المجتمع، بما فيها النازحون، من خلال عدد من الخطوات على رأسها استحداث نقطة صحية في مخيم النازحين في منطقة الخانق، لتقديم الإسعافات والخدمات الطبية اللازمة وخدمات الرعاية الصحية الأولية.

يقول الشدادي لـ "العربي الجديد" إنّ المركز في مخيم الخانق تحوّل إلى مركز رعاية صحية أولية، "ونعتزم الارتقاء بخدماته لتقدم خدمات علاجية وتشخيصية للنازحين الفقراء، من خلال توفير الكادر المتخصص والأجهزة الطبية". ويشير إلى أن مكتب الصحة في المحافظة يرعى نقطة طبية في مخيم الروضة في مديرية صرواح، ومركزاً صحياً في ذنة، كما أنه "في صدد إنشاء نقطة طبية في مخيم كلية المجتمع، إضافة إلى فتح نقطة طبية في مخيم الجفينة، وإرسال فرق طبية بالتعاون مع منظمات المجتمع المحلي إلى مخيمات العراء".
يتابع الشدادي: "على الرغم من التحديات التي نواجهها في القطاع الصحي في مأرب، هناك جهود من قبل السلطات الصحية وبدعم من السلطة المحلية من أجل النهوض بالقطاع الصحي في المحافظة، وتحسين مستوى الخدمات الطبية والعلاجية المتاحة للمواطنين عموماً والنازحين خصوصاً، للتخفيف من معاناتهم من جراء النزوح". ويلفت إلى أن نسبة التغطية المحققة للنشاط الإيصالي التكاملي خلال المرحلة الأولى من العام الحالي 2018 بلغت 91 في المائة. ويوضح أن "النشاط الإيصالي التكاملي هو توفير رعاية صحية أولية تهدف إلى تغطية المناطق البعيدة عن المرافق الصحية. ومن أبرز أنشطتها التحصين وصحة الطفل والصحة الإنجابية". ويؤكد أنه استهدف 50 ألف طفل دون سن الخامسة في مختلف مديريات المحافظة خلال المرحلة الأولى، بدعم من منظمة الأمم المتحدة للطفولة "يونيسف".
إلى الجانب التعليمي، شكل توافد التلاميذ النازحين تحدياً كبيراً لقطاع التعليم في المحافظة، بسبب الزيادة الكبيرة في عدد التلاميذ الذين استقبلتهم مدارس المحافظة. وتعمل السلطة المحلية على تجاوز معظم الصعوبات التي تواجه القطاع التعليمي، بحسب مدير مكتب التربية في المحافظة علي العباب الذي يقول لـ "العربي الجديد": "استطعنا توفير مدارس بديلة لاستيعاب التلاميذ النازحين، كما تعاقد مكتب التربية والتعليم مع عشرات المدرسين لتغطية العجز وتوفير المنهاج الدراسي بحسب الإمكانيات المتاحة"، مؤكداً أن مأرب استقبلت نحو ثلاثين ألف تلميذ بين العامين 2016 و2018، ليصل عدد التلاميذ في المحافظة إلى 92 ألفاً. وهذا العدد كبير مقارنة بإمكانيات القطاع التعليمي في المحافظة".
ويتركّز تواجد غالبية التلاميذ النازحين في مدينة مأرب ومديريتي صرواح والوادي. "هناك فصول بديلة قدمتها السلطة المحلية، وتوجد في مخيم الخانق وصلب، وصرواح، ومديرية الوادي، إضافة إلى افتتاح نحو 12 مدرسة بديلة في مدينة مأرب، استوعبت نحو 90 في المائة من التلاميذ النازحين". كما نصبت خيام في المدارس في بقية المديريات التابعة للمحافظة، لتكون فصولا دراسية لاستيعاب التلاميذ النازحين.
ويبلغ عدد المدارس في المحافظة 476 مدرسة، 48 منها دمرت بشكل جزئي نتيجة قصف الحوثيين في مديرية صرواح، و12 مدرسة دمرت كلياً، كما تضررت مدرستان في مديرية حريب بشكل جزئي.

وبحسب العباب، فإن عدد المدرسين في المحافظة يبلغ 4880 مدرساً ومدرسة، موزعين على 14 مديرية. وقد تم التعاقد مع 106 معلّمين لمديرية المدينة من السلطة المحلية. أما العقود التي أبرمت من قبل مكتب التربية فتفوق 150 عقدا. "واعتمدت خمس مدارس أهلية وفتحت أربع مدارس ثانوية في المدينة، منها مدرستان للبنين ومدرستان للبنات".
وعن المعوقات التي تواجه مكتب التربية والتعليم في المحافظة، يقول العباب إن عدم توفر الكادر التعليمي والمباني والمنهاج من أبرز المعوقات، لكنه يؤكد أن السلطة المحلية ستساهم في تجاوز هذه المعوقات مع بداية العام الدراسي الجديد.
باتت مدينة مأرب ورشة عمل كبرى بعدما كانت عبارة عن عدد من الشوارع والأحياء الصغيرة وتجمعات قبلية متناثرة. وتشهد اليوم توسعاً عمرانياً كبيراً على كافة المستويات، وتقوم السلطة المحلية بشق العديد من الشوارع الجديدة، فيما يشيد المستثمرون مئات المباني السكنية الكبيرة وعشرات الأسواق. وتقع محافظة مأرب إلى الشمال الشرقي من صنعاء، وتبعد عنها نحو 173 كيلومتراً، وتزيد مساحتها عن 17 ألف كيلومتر مربع.

يمكنك الدخول الى موقع المشهد اليمني لقراءة الخبر من المصدر

إرسال تعليق

 
Top